لا صداقة في مجال الأعمال

                     L'Amitié N'Existe Pas Dans Les Affaires                

  

تمهيد للنص:

اجتمع أعضاء مجلس إدارة مؤسسة مصباح وهم من رجال الأعمال ومديري البنوك وبعض السياسيين. كان أغلبهم يريد مساعدة كريم العرفي مدير مصرف القروض العقارية الذي منح قرضا دون ضمان بمبلغ ملياري دينار لأحد الزبائن، لكن مصباح رئيس مجلس الإدارة كان له رأي آخر:

"دخل كريم العرفي قاعة الاجتماعات وأغلق الباب وراءه ثم ألقى التحية وجلس. سأله مصباح بلهجة هادئة: "لماذا حضرت؟"

أجاب بحماس: "أريد منكم أن تسمعوني قبل أن تحكموا علي".

خاطبه مصباح ببرود: "نحن لسنا قضاة لنسمعك ونحكم عليك. قضيتك الآن في العدالة، متى برأتك، مرحبا بك بيننا".

رد باستعطاف وتذلل: "ولكني أحتاج إلى دعمكم ووقوفكم إلى جانبي".

كان مصباح يتكلم بهدوء وبطء فيبرز في عباراته مخارج الحروف، بينما يتكلم كريم بعصبية وسرعة ويحرك يديه وجسمه كله وهو يرتجف اضطرابا. تابع مصباح المحاورة ببرودة أعصاب متسائلا: "نقف معك ضد من؟ ضد العدالة؟ وبأي صفة؟"

تلعثم كريم بحثا عن جواب مقنع ثم قال: "بصفتنا أصدقاء".

ابتسم مصباح ورد بهدوء: "من قال ذلك؟ إن علاقتنا مهنية بحتة. لا صداقة في مجال الأعمال".

ارتفع صوت كريم مناشدا ومخاطبا الجميع: "أريد أن تسمعوني فقط. لن آخذ من وقتكم الكثير".

رد مصباح ببرود: "وأنا أكرر أننا لا نريد أن نسمع تبريرات. وفر ما تريد قوله للمحكمة".

رد كريم بنفاد صبر مطلقا آخر سهم في جعبته وهو ينظر في وجوه المجتمعين مستنجدا متوسلا: "ربما كان أعضاء مجلس الإدارة الأكارم يريدون سماعي".

نظروا إليه جميعا ولم يجبه أحد. لم يكتف مصباح بصمتهم فخاطبهم بقوله: "طيب. من يريد منكم سماع تبريرات كريم؟"

أرخى الجميع رؤوسهم ولم يتكلم أحد. نظر إليهم كريم نظرة يائسة ولكنه لم يستطع أن يرى وجوههم لأنهم تفادوا نظراته اللائمة. وقف في مكانه واقترب من عامر قائلا:

"ألم تعدني بالأمس أن تقف إلى جانبي؟". ثم اقترب من حسان وخاطبه: "لماذا أنت صامت ياحسان؟ أين تشجيعك لي بالأمس وحثك لي على حضور الجلسة؟"

عاد كريم إلى مكانه وظل واقفا ورفع صوته متحديا بعد أن فقد أعصابه: "لكني ما زلت عضوا في مجلس الإدارة ولي الحق في الكلام، ولن أسمح لأحد أن يقمعني ويسكتني. إن ما فعلته ليس بدعة، كلنا نقرض دون ضمان". ثم التفت إلى السيد مصباح قائلا: "كم مرة أقرضتك دون ضمان، ألا تذكر؟"

أجاب مصباح بهدوء: "هذا صحيح. أنا لا ألومك لهذا ولكن ألومك لغبائك. صحيح أنني اقترضت من مصرفك ولكني رجل أعمال معروف أهتم بسمعتي وأسدد ما علي. وأنا اقترضت الملايين لا الملايير. ألم أحذرك من سامي العشاب؟ ألم أنصحك ألا تقرضه مبالغ ضخمة؟ ولكنك طمعت لأنه أغراك بطعم شهي يسيل اللعاب. دفع لك خمسة وعشرين بالمئة عمولة من مبلغ القرض، ولم يخطر ببالك أن أي رجل أعمال لا يستطيع أن يدفع مثل هذه العمولة إلا إذا كان لا ينوي تسديد القرض. ألم تتساءل حين دفع لك هذا المبلغ: ماذا يدفع للآخرين ليسهلوا تجارته؟ وبماذا يتاجر؟ وماذا سيربح؟"

لم يجد كريم ما يقوله إلا لوم القدر فتمتم: "إذا وقع القدر عمي البصر".

علق مصباح موبخا: "هذا كلام لا يقوله رجل أعمال فطن. رجل الأعمال يصنع قدره بنفسه ولا يقبل المفاجآت، فهو يؤمن على أمواله وأعماله وحتى على حياته وصحته، وللأسف ليس هناك تأمين ضد الطمع. أنت ضمنته على مسؤوليتك والضامن شريك للمقترض وعليك السداد".

أجاب كريم في لهجة خضوع وتذلل: "ليس معي هذا المبلغ فأرجو أن تساعدوني".

أجابه مصباح بحزم: " نحن رجال أعمال ولسنا جمعية خيرية. حين طمعت بالعمولة الضخمة ووضعتها في حسابك لم تشارك أحدا فيها. عليك أن تقبل بقوانين اللعبة، جازفت فخسرت وعليك الآن أن تتحمل خسارتك وحدك".

ران الصمت بضع دقائق على الجلسة قطعه مصباح بقوله: "أقترح تجميد عضوية كريم حتى تنتهي المحاكمة ثم تفصل الجمعية العامة نهائيا في عضويته. من الموافق؟"

ارتفعت الأصابع التسعة. قال مصباح موجها الخطاب لكريم: " لم يعد من حقك الآن حضور الاجتماع، فلا تضيع وقتنا".

حمل كريم محفظته بعصبية وخرج وهو يتمتم بكلام غير مفهوم".

"القاضية والملياردير" – "الخيط الثاني"

 

 

الأسئلة:

1- ماذا كان يريد كريم من أعضاء مجلس الإدارة؟ ومن منعه من تحقيق مراده؟

2- ما الغلطة التي ارتكبها كريم واتهمه مصباح بالغباء لارتكابها؟

3- يقال: "إن أول ضحايا المحتال هو الطماع". هل ينطبق هذا القول على سامي العشاب وكريم العرفي؟ إذا كان الجواب بالإيجاب، وضح ذلك.

4- لماذا تنصل أعضاء مجلس الإدارة من وعودهم لكريم؟ وما الذي يبينه لك ذلك من صفاتهم؟

5- ما الذي يبينه لك النص من شخصيتي مصباح وكريم؟

6- هل تعتقد بعدم وجود الصداقة في مجال الأعمال؟ وضح رأيك ودعمه بالحجج المناسبة.

7- ما الذي يبينه لك النص من ممارسات الفساد في علاقة بعض رجال الأعمال ببعض البنوك؟

8- يقال: "إن ممارسات بعض البنوك الأمريكية والمبالغ الخيالية التي يتقاضاها المديرون فيها، كانت أحد الأسباب الرئيسية للأزمة الاقتصادية العالمية". هل توافق على ذلك؟ وضح رأيك ودعمه بالحجج المناسبة من متابعتك لهذا الموضوع.